البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

قواعد الترجيح بين علامات الإفتاء

82 views

وضع ابن عابدين عشر قواعد للترجيح بين الأقوال في رسالته “رسم المفتي”، وسيتم ذكرها بشيء من التفصيل والتوضيح:

الأول: ما إذا كان تصحيح أحدهما بلفظ الصحيح والآخر بلفظ الأصح، وأن المشهور ترجيح الأصح على الصحيح.

الثاني: ما إذا كان أحدهما بلفظ الفتوى، والآخر بغيره، فإنه يقدم الذي بلفظ الفتوى؛ لأنه لا يفتى إلا بما هو صحيح.

الثالث: ما إذا كان أحد القولين المصححين في المتون والآخر في غيرها، لأنه عند عدم التصحيح لأحد الأقوال يقدم ما في المتون؛ لأنها الموضوعة لنقل المذهب، وكتب المتون هي كتب ظاهر الرواية، حيث التزم أصحابها إيراد الصحيح من الأقوال وما عليه الفتوى؛ لذا فهي مقدَّمة على كتب الشروح والفتاوى.

الرابع: ما إذا كان أحدها قول الإمام الأعظم والآخر قول بعض أصحابه؛ لأنه عند عدم الترجيح لأحدهما، يقدم قول الإمام، أما إذا خالفه أصحابه فإنه ينظر إلى قوة الدليل، فيقدَّم الذي دليله أقوى وأظهر، وهذا بالنسبة للمفتي المجتهد، وأما غيره فإنه يقدَّم أولًا قول الإمام أبي حنيفة، ثم أبي يوسف ثم قول محمد.

الخامس: ما إذا كان أحدهما ظاهر الرواية، فيقدَّم على الآخر، فإذا تعددت الأقوال واختلفت فإنه يرجح القول الذي هو ظاهر الرواية، ولا يجوز العدول عنه إلى غيره من الروايات الشاذة؛ لأنه الموضوع للفتوى.

السادس: ما إذا كان أحد القولين المصححين قال به جل المشايخ العظام، وفي هذه المرتبة القول الراجح هو ما تختاره الأكثرية من المشايخ، وهذا يعتبر شبه إجماع بالنسبة لهم، لذا فإنه يقدَّم على غيره الذي اختارته الأقلية.

السابع: إذا كان دليل أحدهما الاستحسان والآخر القياس؛ فإنه يقدَّم القول المبني على الاستحسان على القول الذي أساسه القياس، إلا في بعض المسائل.

الثامن: ما إذا كان أحدهما أنفع للوقف؛ لما صرحوا به في الحاوي القدسي وغيره من أنه يفتى بما هو أنفع للوقف فيما اختلف فيه العلماء.

التاسع: ما إذا كان أحدهما أوفق لأهل الزمان؛ فإن كان أوفق لعرفهم، أو أسهل عليهم، فهو أولى بالاعتماد عليه، ولذا أفتوا بقول الإمامين في مسألة تزكية الشهود، وعدم القضاء بظاهر العدالة لتغيُّر أحوال الزمان، فإنَّ الإمام كان في القرن الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية، بخلاف عصرهما فإنه قد فشا فيه الكذب، فلا بد من التزكية، وكذا عدلوا عن قول أئمتنا الثلاثة في عدم جواز الاستئجار على التعليم ونحوه؛ لتغيُّر الزمان، ووجود الضرورة إلى القول بجوازه.

العاشر: ما إذا كان أحدهما دليله أوضح وأظهر، فإنه يترجح أحد القولين بناءً على قوة الدليل، وذلك بعد النظر والتأمل من قبل المفتي المجتهد([1]).

أما مراتب علامات الإفتاء وأيها يقدَّم على الآخر:

أولا: لفظ «عليه عمل الأمة»:

هذا الاصطلاح يتقدم على بقية علامات الإفتاء من حيث العمل به؛ حيث إن جميع أهل الفتوى قد اتفقوا على ترجيحه على غيره.

ثانيًا: لفظ: «وبه يفتى» و«عليه الفتوى، الفتوى عليه»:

هذان اللفظان يحتلانِ المرتبة الثانية من حيث درجة الاعتماد على القول، والعمل به، ولفظ وبه يفتى وعليه الفتوى آكد من لفظ الفتوى عليه؛ لأن الأول يفيد الحصر فلا يفتى إلا به.

وهناك لفظان يأخذان نفس الدرجة، وهما: لفظ «وبه نأخذ»، و«عليه العمل»، فإذا صرحوا بلفظ الفتوى فيقول عُلم أنه المأخوذ به، ويظهر أن لفظ «وبه نأخذ» و«عليه العمل»، مساوٍ للفظ الفتوى([2]).

فإذا ورد قولان: «وكان لفظ الفتوى في كل منهما، فإن كان أحدهما يفيد الحصر مثل: به يفتى، أو عليه الفتوى، فهو الأولى، ومثله بل أولى منه لفظ عليه عمل الأمة؛ لأنه يفيد الإجماع»([3]).

ثالثًا: لفظ «الأصح» و«الصحيح»:

وهذان اللفظان يأتيان في الدرجة الثالثة، والأصح يقدَّم على الصحيح، وقد سبق تفصيل المفاضلة بينهما.

وفي تقديم لفظ وبه يفتى على لفظ الصحيح يقول ابن عابدين: «وإذا اختلف اللفظ: فإن كان أحدهما لفظ الفتوى فهو أولى؛ لأنه لا يفتى إلا بما هو صحيح وليس كل صحيح يفتى به؛ لأن الصحيح في نفسه قد لا يفتى به؛ لكون غيره أوفق لتغيُّر الزمان والضرورة»([4]).

رابعًا: ما كان بلفظ أفعل التفضيل:

وهذه المرتبة تندرج تحتها جميع ما كان على هذا الوزن، كالأحوط آكد من الاحتياط، والأوجَه مقدَّم على الوجيه، وكذا الأشبه، والأظهر([5]).

([1]) مصطلحات المذاهب الفقهية وأسرار الفقه المرموز في الأعلام والكتب والآراء والترجيحات لمريم محمد صالح الظفيري (ص: 122- 124)، دار ابن حزم. وانظر: رسم المفتي لابن عابدين (ص: 40).

([2]) مصطلحات المذاهب الفقهية وأسرار الفقه المرموز (ص: 124). وانظر: رد المحتار لابن عابدين (1/ 78).

([3]) مصطلحات المذاهب الفقهية وأسرار الفقه المرموز (ص: 124). وانظر: رسم المفتي (ص: 39).

([4]) مصطلحات المذاهب الفقهية وأسرار الفقه المرموز (ص: 124، 125). وانظر: رسم المفتي (ص: 38).

([5]) مصطلحات المذاهب الفقهية وأسرار الفقه المرموز (ص: 125). وانظر: حاشية رد المحتار (1/ 78).

اترك تعليقاً