البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

أشهر المؤلفات الفقهية في المذهب الحنفي

140 views

لأئمة الحنفية مصنفات فقهية كثيرة جدًّا ومتنوعة أيضًا من حيث الترتيب وطريقة العرض والتناول الفقهي بين المختصرات والمطولات والمتوسطات، واختلفت أغراضها؛ فتارةً تهتم بذكْر أقوال الأئمَّة الحنفية وعرض الخلاف بين الإمام أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأبي يوسف، وتارة تهتم بوجه أقوالهم وأقوال علماء المذهب، وفي أحيان أخرى تهتم بالخلاف مع فقهاء الشافعية والمالكية، وسنتناول أشهر كتب الفقه الحنفي بإيجاز:

  • كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى:

لأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد القاضي (ت: 182هـ)، ونظرًا لمصنفه الإمام أبي يوسف فإنه أقدمُ مصنفات الفقه الحنفي، وكما يبدو من اسمه، فهو عرض للخلاف بين الإمامين: أبي حنيفة وابن أبي ليلى، وكلاهما من مشايخ القاضي أبي يوسف.

والكتاب مختلف في ترتيبه عن المعهود في كتب الفقه؛ فابتدأ بالغصب، وانتهى بالحدود، وهو من رواية الإمام محمد بن الحسن عن القاضي أبي يوسف، ولذلك ضمنه محمد بن الحسن في بعض مصنفاته.

وترجع أهمية الكتاب لقدمه وكونه من المصنفات الأولى في الفقه الإسلامي عمومًا، ولعنايته بآراء إماميْنِ كبيريْنِ كأبي حنيفة وابن أبي ليلى والخلاف بينهما، فضلًا عن أن أبا يوسف كان كثيرًا ما يذكر رأيه في خلافهما، سواء بتأييد أحدهما أو مخالفتهما معًا.

  • أهم كتب ظاهر الرواية للإمام محمد بن الحسن:
  • المبسوط (الأصل):

وهو أقدم كتب ظاهر الرواية في المذهب الحنفي، وهو كتاب كبير، إلا أنه لم يصل إلينا كاملًا، وما وصل إلينا وطبع منه يتناول بعض الأبواب كالطهارة والصلاة والزكاة والحج والتحري والأيمان والاستحسان وبعض الأبواب الأخرى.

والكتاب يهتم برأي الإمامين أبي حنيفة وأبي يوسف القاضي والخلاف بينهما، وهو من الكتب المعتمدة في كتب ظاهر الرواية، ولا شك أنه يعول عليه في المقام الأول في نقل الرواية.

  • الجامع الصغير:

وهو ثاني كتب ظاهر الرواية، وثاني كتب الإمام محمد بن الحسن، تضمن الكتاب أربعين بابًا من أبواب الفقه، سار على ترتيبها الكثير من أئمَّة المذهب بعد ذلك في مصنفاتهم، ابتدأ بكتاب الصلاة والطهارة، وأنهاها بالوصايا، والكتاب بجانب كونه من كتب ظاهر الرواية المعتمدة المعول عليها في المذهب، فقد لاقى قبولًا كبيرًا، وشرحه العديد من أئمة الحنفية؛ ذكر الصدر الشهيد في خطبة شرحه أن مشايخنا كانوا يعظمون مسائل هذا الكتاب تعظيمًا، ويقدمونه على سائر الكتب تقديمًا، وكانوا يقولون: ‌لا ‌ينبغي ‌لأحد ‌أن ‌يتقلد ‌القضاء والفتوى ما لم يحفظ مسائل هذا الكتاب؛ فإن مسائله من أُمهات المسائل، فمن حوى معانيها وحفظ مبانيها صار من زمرة الفقهاء، وصار أهلًا للفتوى والقضاء([1]).

  • الجامع الكبير:

وهو آخر كتب ظاهر الرواية للإمام محمد بن الحسن، والكتاب على الرغم من اشتماله على أغلب أبواب الفقه، إلا أنه لم يرتب على ترتيب كتب الحنفية الفقهية التي استقروا عليها فيما بعدُ.

والكتاب من معتمدات ظاهر الرواية يُرجَع إليه في تأصيل روايات الإمام أبي حنيفة والقاضي أبي يوسف، يقول البابرتي: “هو كاسمه لجلائل مسائل الفقه جامع كبير، قد اشتمل ‌على ‌عيون ‌الروايات، ومتون الدرايات، بحيث كاد أن يكون معجزًا، ولتمام لطائف الفقه منجزًا، شهد بذلك بعد إنفاد العمر فيه داروه، ولا يكاد يلم بشيء من ذلك عاروه، ولذلك امتدَّت أعناق ذوي التحقيق نحو تحقيقه، واشتدت رغباتهم في الاعتناء بحلى لفظه وتطبيقه، وكتبوا له شروحًا، وجعلوه مبينًا مشروحًا”([2]).

وقد وضعت عليه الكثير من الشروح، منها: شرح أبي الليث نصر بن أحمد السمرقندي الحنفي، وشرح فخر الإسلام علي بن محمد البزدوي، وشرح القاضي أبي زيد عبيد الله بن عمر الدبوسي، وشرح الإمام برهان الدين محمود بن أحمد صاحب المحيط، وشرح شمس الأئمة أبي محمد بن عبد العزيز، وشمس الأئمة عبد العزيز بن أحمد الحلواني، وشرح شمس الأئمة محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، وشرح محمد بن علي الشهير بابن عبدك الجرجاني، وغير ذلك.

  • الحجة على أهل المدينة:

يُعدُّ كتابُ الحُجَّة على أهل المدينة للإمام محمد بن الحسن من أقدم كتب الخلاف الفقهي التي وضعت في تاريخ الفقه الإسلامي؛ حيث تضمَّن الكتاب احتجاجَ الإمام محمد بن الحسن على المالكية في آرائهم الفقهية التي خالفهم فيها.

وطريقة الإمام محمد بن الحسن في الكتاب كانت تمهيدًا لما اعتمده الأئمَّة من بعده، سواء من الحنفية أو من غيرهم من المذاهب في سرْدِ الخلاف وتحقيقه وذكر الأدلَّة والانتصار للمذاهب، فقد كان الإمام يذكر في بداية كل مسألة غالبًا قولَ الإمامِ أبي حنيفة، ثم يتبعه بقول أهل المدينة، ثم يذكر الأدلة ووجه الاستدلال على صحة مذهبهم.

وتأتي القيمة العلمية لذلك الكتاب من تلك الطريقة التي اعتمدت فيما بعدُ، وفي تأصيل روايات الإمام والاحتجاج لها.

مختصر الطحاوي:

للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي (ت: 321هـ). وهو أقدم مختصرات الفقه الحنفي، وهو بداية التأليف على هيئة المتون التي تُعنى بذكْرِ المسائل الفقهية مرتبة دون إطالة أو إسهاب في ذكْر الأدلة ونحوها، والكتاب تضمن أبرز مسائل الفقه الحنفية مرتبة على ثلاثة وخمسين بابًا، بداية من باب الطهارة ونهاية بباب الكراهية.

وقال الإمام الطحاوي في بدايته: “جمعت في كتابي ‌هذا ‌أصناف ‌الفقه التي لا يسعُ الإنسانَ جهْلُها، وبيَّنت الجوابات عنها من قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد”.

وقد تتابع فقهاء الحنفية على شرح الكتاب والعناية به، وأُلف عليه شروح كثيرة جدًّا نظرًا لأهميته وحسن عرضه وترتيبه في الفقه الحنفي، ومن أبرز تلك الشروح: شرح شيخ الإسلام بهاء الدين علي بن محمد السمرقندي الإسبيجابي، وشرح الشيخ الحافظ أبي نصر أحمد بن منصور الطبري السمرقندي، وشرح أبي نصر أحمد بن محمد المعروف بالأقطع، وغير ذلك.

  • مختصر القدوري:

لأبي الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر القدوري الحنفي (ت: 428هـ). وكتاب المختصر للقدوري من أهم المتون المعتبرة المتداولة في فقه الحنفية، وهو المراد حين إطلاق لفظ “الكتاب” من أئمَّة الحنفية.

والكتاب مختصر مرتب على ثلاثة وستين بابًا مبتدأة بكتاب الطهارة وأبواب العبادات، ومختتمة بأبواب الفرائض.

ولمتن الإمام القدوري قيمةٌ علميةٌ كبيرةٌ في فقه الحنفية، وليس أدل على ذلك من كثرة الشروحات التي ألفت عليه: كشرح الأقطع، وشرح حسام الدين الرازي، والجوهرة النيرة، وغيرها.

قال اللكنوي في الفوائد: ” كأنه بحر زاخر، وغيث ماطر، جامع صغير ونافع كبير، أحسن متون الفقه وأفضلها وأتمها فائدة وأكملها، طارت عليه رياح القبول، وصار متداولًا بين العلماء الفحول، حتى اشتهر في الأمصار والأعصار كالشمس على رابعة النهار”.

  • المبسوط للسرخسي:

لشمس الأئمة: محمد بن أحمد بن أبي سهل ‌السرخسي (ت 438هـ)، وهو من الموسوعات الفقهية المشهورة التي اتفق على قبولها واعتمادها، وهو كتاب يبرز قيمة مؤلفه الإمام السرخسي العلمية، ودقة حفظه وذكائه النادر، فقد أملاه في نحو خمسة عشر مجلدًا، وهو في السجن بأوزجند، يقول اللكنوي: كان محبوسًا في الجب بسبب كلمة نصح بها الخاقان، وكان يملي من خاطره من غير مطالعة كتاب وهو في الجب وأصحابه في أعلى الجب، وقال عند فراغه من شرح العبادات: هذا آخر شرح العبادات بأوضح المعاني، وأوجز العبارات إملاء المحبوس عن الجمع والجماعات، وقال في آخر شرح الإقرار: انتهى شرح الإقرار المشتمل من المعاني على ما هو من الأسرار إملاء المحبوس في محبس الأشرار([3]).

كما تبرُز أهميته في كونه أفضل وأوسع شروح كتاب (الكافي) للحاكم الشهيد المروزي، الذي يُعدُّ من كتب مسائل الأصول المُعتمدة في الفقه الحنفي؛ حيث جَمع فيه مؤلفه مسائلَ الأصول المَروية عن أصحاب المذهب، وهي كتب ظاهر الرواية الستة للإمام محمد بن الحسن الشيباني التي رواها الثقات، وثبتت عنه بالشهرة أو التواتر، وهي: السير الصغير، والسير الكبير، والزيادات، والمبسوط.

ويعتمد عليه الحنفية في القضاء والفتوى؛ قال ابن عابدين: “واعلم أنَّ من كتب مسائل الأصول كتاب الكافي للحاكم الشهيد، وهو كتاب معتمد في نقل المذهب، شرحه جماعة من المشايخ، منهم الإمام شمس الأئمة السرخسي، وهو المشهور بمبسوط السرخسي. قال العلامة الطرسوسي: مبسوط السرخسي لا يعمل بما يخالفه، ولا يركن إلا إليه، ولا يفتى ولا يعول إلا عليه”([4]).

  • تحفة الفقهاء:

لمحمد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي (ت 540هـ). وقد شمل الكتاب أبواب الفقه جميعها، يتكون من اثنين وخمسين كتابًا، بدأها بكتاب الطهارة، وأنهاها بكتاب الوقف والصدقة.

والكتاب حسن العرض والترتيب، ذكر فيه الخلاف الفقهي في المسألة مع الإمام والصاحبين وزفر، وذكر الخلاف أيضًا مع مالك والشافعي، وعرض لأدلة كل مسألة، وإن لم يسهب في مناقشتها.

وتبرز قيمة الكتاب في أنه يُعدُّ شرحًا لمشكلات كتاب المختصر للقدوري، وبيانًا لبعض ما فاته كما ذكر المصنف نفسه، يقول: قال في مقدمته: “اعلم أن (المختصر) المنسوب إلى الشيخ أبي الحسين القدوري رحمه الله جامع جملًا من الفقه مستعملة، بحيث لا تراها مدى الدهر مهملة، يهدى بها الرائض في أكثر الحوادث والنوازل، ويرتقي بها المرتضى إلى أعلى المراقي والمنازل، ولما عمت رغبة الفقهاء إلى هذا الكتاب، طلب مني بعضهم من الإخوان والأصحاب أن أذكر فيه بعض ما ترك المصنف من أقسام المسائل، وأوضح المشكلات منه بِقَوِيٍّ من الدلائل ليكون ذريعةً إلى تضعيف الفائدة، بالتقسيم والتفصيل، ووسيلة بذكر الدليل إلى تخريج ذوي التحصيل، فأسرعت في الإسعاف والإجابة؛ رجاء التوفيق من الله تعالى في الإتمام والإصابة، وطمعًا من فضله في العفو والغفران والإنابة، فهو الموفق للصواب والسداد، والهادي إلى سبل الرشاد، وسميته (تحفة الفقهاء)؛ إذ هي هديتي لهم، لِحَقِّ الصحبة والإخاء، عند رجوعهم إلى مواطن الآباء”([5]).

والكتاب يعتبر الأصل الذي شرح عليه الكاساني موسوعته في الفقه الحنفي (بدائع الصنائع)، وقد اعتمد عليه المتأخرون كثيرًا، وعولوا عليه في ذكر وجوه الأدلة وتحرير المذهب.
الفقه النافع:

للإمام ناصر الدين أبي القاسم محمد بن يوسف الحسني السمرقندي (ت: 556هـ). ويطلق عليه في بعض المصادر “النافع”. والكتاب يعدُّ من الكتب المتوسطة من حيث ذكر الأدلة ومناقشتها، يذكر فيه المصنفُ رأيَ الإمامِ وصاحبَيْهِ، وفي بعض الأحيان رأي زفر، ويقارن بينهما، مما جعل الكتاب مرجعًا هامًّا لآراء الأئمة الأربعة عند الحنفية.

كما يذكر المصنف الخلاف بين الحنفية والشافعية على وجه الخصوص ويستدل لهما، ويرجح رأي الحنفية وينصره بطبيعة الحال.

وكذا في الخلاف مع المالكية، إلا أنه على وجه أقل من الشافعية.

كما أن الكتاب تضمَّن الكثير من الأدلَّة على المسائلِ المذكورة، وغالبًا لا تخلو مسألة من المسائل الخلافية من أدلتها على صورة متوسطة بين الإسهاب والاختصار.

وتظهر قيمةُ كتاب الفقه النافع الكبيرة في ثناء بعض الأئمَّة عليه كالكفوي؛ حيث قال: “وهو المختصر المبارك في الفقه، نفع الله به الخلق الكثير”([6])، كما أنه نقل عنه فيه بعض المواضع في الكتب المعتمدة.

وقد شرحه جماعة منهم أبو البركات عبد الله بن أحمد حافظ الدين النسفي، وسماه المستصفى.

  • بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع:

لأبي بكر بن مسعود بن أحمد علاء الدين الكاساني (ت 587هـ). وهو كتاب لشرح متن تحفة الفقهاء للسمرقندي، وعلى الرغم من أنه شرح للتحفة إلا أنه لم يلتزم ترتيبها؛ فتناولها بالتغيير، والتقديم والتأخير، وقال في مقدمة كتابه: “وقد كثر تصانيف مشايخنا في هذا الفن قديمًا وحديثًا، وكلهم أفادوا وأجادوا، غير أنهم لم يصرفوا العنايةَ إلى الترتيب في ذلك سوى أستاذي وارث السنة ومورثها الشيخ الإمام الزاهد علاء الدين رئيس أهل السنة محمد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي رحمه الله تعالى،  فاقتديت به فاهتديت؛ إذ الغرض الأصلي والمقصود الكلي من التصنيف في كل فن من فنون العلم هو تيسيرُ سبيل الوصول إلى المطلوب على الطالبين، وتقريبه إلى أفهام المقتبسين، ولا يلتئم هذا المراد إلا بترتيب تقتضيه الصناعة، وتوجبه الحكمة، وهو التصفُّح عن أقسام المسائل وفصولها، وتخريجها على قواعدها وأصولها؛ ليكون أسْرعَ فهمًا، وأسْهلَ ضبطًا، وأيْسرَ حفظًا فتكثر الفائدة، وتتوفر العائدة فصرفت العناية إلى ذلك، وجمعت في كتابي هذا جملًا من الفقه مرتبة بالترتيب الصناعي، والتأليف الحكمي الذي ترتضيه أرباب الصنعة، وتخضع له أهل الحكمة مع إيراد الدلائل الجلية، والنكت القوية بعبارات محكمة المباني مؤيدة المعاني، وسميتُه (الفقه على المذاهب الأربعة)؛ إذ هي صنعة بديعة، وترتيب عجيب، وترصيف غريب؛ لتكون التسميةُ موافقةً للمسمى، والصورةُ مطابقةً للمعنى، وافق شَنٌّ طبَقَه، وافقه فاعْتنقه، فأستوفق الله تعالى لإتمام هذا الكتاب الذي هو غاية المراد، والزاد للمرتاد، ومنتهى الطلب، وعينه تشفي الجرب، والمأمول من فضله وكرمه أن يجعله وارثًا في الغابرين، ولسانَ صدقٍ في الآخرين، وذكرًا في الدنيا، وذُخرًا في العقبى، وهو خير مأمول، وأكرم مسئول”([7]).

ويعدُّ كتاب البدائع من الكتب المتميزة داخل المذهب الحنفي من حيث عنايته بذكر الأدلة ومناقشتها، والانتصار للمذهب الحنفي على غيره من المذاهب، لا سيما الشافعية ثم المالكية، كما أنه عُني كثيرًا ببيان وجه قول الأئمَّة الثلاثة في المذهب، وكذا غيرهم كزفر، وهو في الجملة من أبرز وأهم كتب المذهب، حتى قال عنه ابن عابدين: لم أَرَ نظيرًا له في كتبنا([8]).

 

  • بداية المبتدي وشرحه الهداية:

لعلي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني، أبي الحسن برهان الدين (ت: ٥٩٣هـ)، وكتاب البداية متن مختصر، جمع فيه المرغيناني بين كتاب المختصر للقدوري، وكتاب الجامع الصغير، واختار ترتيب الجامع الصغير([9]). وجعل مسائل القدوري أول الباب ومسائل الجامع الصغير آخره.

أما الهداية: فكان في حقيقته كالشرح لمختصر القدوري، وللجامع الصغير لمحمد بن الحسن، وعادته أن يحرر كلام الإمامين من المدعى والدليل، ثم يحرر مدعى الإمام الأعظم، ويبسط دليله بحيث يخرج الجواب من أدلتهما، فإذا كان تحريره مخالفًا لهذه العادة يفهم منه الميل إلى ما ادعى الإمامان. وقد بين المرغيناني في مقدمة شرحه أنه مرَّ بمرحلتين في إخراج الشرح طلبًا للتوسط بين التطويل والإيجاز، يقول في ذلك: “وقد جرى علي الوعد في مبدأ بداية المهتدي أن أشرحها بتوفيق الله تعالى شرحًا أرسمه بـكفاية المنتهى، فشرعت فيه، والوعد يسوغ بعض المساغ، وحين أكاد أتكئ عنه اتكاء الفراغ تبينت فيه نبذًا من الإطناب، وخشيت أن يهجر لأجله الكتاب، فصرفت العنان والعناية إلى شرح آخر موسوم بـالهداية أجمع فيه -بتوفيق الله تعالى- بين عيون الرواية ومتون الدراية، تاركًا للزوائد في كل باب، معرضًا عن هذا النوع من الإسهاب، مع ما أنه يشتمل على أصول ينسحب عليها فصول، وأسأل الله تعالى أن يوفقني لإتمامها ويختم لي بالسعادة بعد اختتامها، حتى إن من سمت همته إلى مزيد الوقوف يرغب في الأطول والأكبر، ومن أعجله الوقت عنه يقتصر على الأقصر والأصغر، وللناس فيما يعشقون مذاهب، والفن خير كله، ثم سألني بعض إخواني أن أملي عليهم المجموع الثاني، فأفتتحه مستعينًا بالله تعالى في تحرير ما أقاوله، متضرعًا إليه في التيسير لما أحاوله، إنه الميسر لكل عسير، وهو على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل”([10]).

والكتاب يتكون من ثمانية وخمسين كتابًا، أولها كتاب الطهارة وآخرها كتاب خاص بأحكام الخنثى.

وترجع أهمية الكتاب لكون موضوعه يتناول كتابين من أهم كتب المذهب، وهما المختصر للقدوري، والجامع لمحمد بن الحسن، بشرحهما، وبين رأي الإمام أبي حنيفة وصاحبيه، وهو من أهم الكتب التي عول عليها محررو المذهب في ذلك من حيث الرواية والدراية، وكثير ما نقل عنه فقهاء الحنفية المتأخرون.

وقد تعرَّض لشرح الهداية الكثير، ونظرًا لقيمة الكتاب كانت تلك الكتب من المعتمدات في المذهب ككتاب البناية شرح الهداية، والنهاية شرح الهداية.

وقد قيل في الهداية والشرح تعظيما لقدرهما في المذهب

إن (الهداية) كالقرآن قد نسخت / ما صنفوا قبلها في الشرع من كتب

فاحفظ قواعدها واسلك مسالكها / يسلم مقالك من زيغ ومن كذب([11])

وقال اللكنوي: “قد طالعت الهداية مع شروحها ومختارات النوازل، وكل تصانيفه مقبولة معتمدة، لا سيما الهداية؛ فإنه لم يزل مرجعًا للفضلاء، ومنظرًا للفقهاء”([12]).

  • الاختيار لتعليل المختار:

لمجد الدين أبي الفضل عبد الله بن محمود بن مودود بن محمود الموصلي الحنفي (ت: 683هـ). وهو شرح لكتاب المختار في الفتوى للمصنف نفسه، وقد جمع فيه المؤلف زبدة المذهب الحنفي وثمرته في أبواب الفقه كلها، بدون ذكرٍ للدليل، وجاء في «الاختيار» ذكر أدلة تلك المسائل.

ويتناول الكتاب أبواب الفقه كلها مقسمة على ثمانية وخمسين كتابًا، بدأ كتابه بالحديث عن كتاب الطهارة، ثم ناقش فيه مجموعة من المسائل، بما في ذلك الصلح والمواثيق والصيد، وانتهى بـكتاب الفرائض.

وقد جعل المصنف رحمه الله لكل اسم من أسماء الفقهاء حرفًا يدلُّ عليه من حروف الهجاء؛ طلبًا للإيجاز والاختصار، وهي: لأبي يوسف (س)، ولمحمد (م)، ولهما (سم)، ولزفر (ز)، وللشافعي (ف).

والكتاب أحد معتمدات الفقه الحنفي، ومتنه “المختار” أحد المتون الأربعة المعوَّل عليها عندهم، والموثوق بها، التي لا يُذكر فيها إلا القول الراجح الصحيح، مع التحقيق والتدقيق، وهو من المقررات الدراسية على طلاب الأزهر، قال ابن مودود رحمه الله في مقدمته: “كنت جمعت في عنفوان شبابي مختصرًا في الفقه لبعض المبتدئين من أصحابي، وسميته بالمختار للفتوى، اخترت فيه قول الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه؛ إذ كان هو الأول والأولى، فلما تداولته أيدي العلماء واشتغل به بعض الفقهاء طلبوا مني أن أشرحه شرحًا أشير فيه إلى علل مسائله ومعانيها”([13]).

  • ‌مجمع ‌البحرين ‌وملتقى ‌النيرين وشرحه:

لمظفر الدين أحمد بن علي بن تغلب أبي الضياء الساعاتي البعلبكي البغدادي المتوفى سنة (694هـ). ومجمع البحرين من الكتب المختصرة، جمع فيه ابن الساعاتي بين مختصر القدوري ومنظومة النسفي في الخلاف مع زوائد.

وقد اهتم ابن الساعاتي بترتيب كتابه ترتيبًا بديعًا، حرص فيه على ذِكْرِ مفاتيح يفهم منها مواضع الخلاف والاتفاق وغير ذلك، فقال في مقدمة كتابه:

“وضعت هذا الكتاب وضعًا يستفيد منه قارئ كل مسألة هل هي خلافية أم غير خلافية، وإذا كانت خلافية يعلم ما فيها من المذاهب على التفصيل بأتم الوجوه، وذلك بمجرد قراءتها من دون تلويح برقم أو تصريح باسم، وإن كُنَّا قَدْ وضعنا رقومًا لفوائد نذكرها فإنما هي كحاشية ينفع وجودها ولا يضر عدمها، فنقول: قد دللنا على قول أبي حنيفة إذا خالفه صاحباه بالجملة الاسمية، سواء كان الخبر مقدمًا أو جملة أو مفردًا، إلا أن تقع هذه الجملة حالًا معترضة فلا تدل على خلاف، أو تتضمن نسبة رواية إلى أبي حنيفة فلا تدل على خلاف، أو تتضمن نسبة رواية إلى أبي حنيفة فلا تدل على خلاف صاحبيه، فإن اقتسم القولان طرفي النفي والإثبات اقتصرنا عليها، وإلا أردفناها بضمير التثنية لإثبات مذهبيهما بأي جمل شئنا لأمن اللبس. وعلى قول أبي يوسف إذا خالفه صاحباه بالجملة الفعلية المضارعة الفعل المستتر فاعلها. وعلى قول محمد إذا خالفه صاحباه بالجملة الماضية المستتر فاعلها والكلام في الاقتصار عليهما وإردافها بضمير التثنية على ما سبق” ([14]).

وهكذا درج ابن الساعاتي يضع مفاتيح تبين مراده من كلامه في الكتاب وتضمن الاختصار.

ولا شكَّ أنَّ ذلك الترتيب البديع زاد من أهمية الكتاب في الفقه الحنفي، وفي كونه من أهم المختصرات في المذهب، وتظهر أهميته من عناية فقهاء الحنفية به.

  • كنز الدقائق:

لأبي البركات عبد الله بن أحمد بن محمود بن حافظ النسفي (ت: 710هـ). وهو من المختصرات المعتمدة في الفقه الحنفي، قال النسفي في مقدمته يبين سبب تأليفه وماهيته: “لما رأيت الهمم مائلةً إلى المختصرات، والطباعَ راغبةً عن المطولات أردت أن ألخص (الوافي) بذكر ما عم وقوعه، وكثر وجوده لتكثر فائدته وتتوفر عائدته.

فشرعت فيه بعد التماس طائفة من أعيان الأفاضل وأفاضل الأعيان الذين هم بمنزلة الإنسان للعين والعين للإنسان مع ما بي من العوائق، وسميته بـ (كنز الدقائق)، وهو وإن خلا عن العويصات والمعضلات فقد تحلَّى بمسائلِ الفتاوى والواقعات معلمًا بتلك العلامات وزيادة الطاء للإطلاقات، والله الموفق للإتمام، والميسر للاختتام”([15]).

والكتاب يتكون من 56 كتابًا بداية بكتاب الطهارة إلى كتاب الفرائض، والكتاب مختصر يخلو عن الاستدلال والإسهاب كما بين مؤلفه.

ونتيجةً لما مثله الكتاب من إحكام في ذكر أقوال الأئمة تبوَّأ الكتاب مكانةً هامةً، وصار من أبرز المعتمدات في المذهب، وعليه يُعوَّل في التحرير والفتوى، حتى اعتبره البعضُ أفضلَ مختصرات الحنفية([16]).

  • تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق:

لعثمان بن علي بن محجن البارعي، فخر الدين الزيلعي الحنفي (ت: ٧٤٣ هـ). فإني لما رأيت هذا المختصر المسمى بكنز الدقائق أحسنَ مختصرٍ في الفقه، حاويًا ما يحتاج إليه من الواقعات مع لطافة حجمه لاختصار نظمه، أحببتُ أن يكون له شرح متوسط يحل ألفاظه، ويعلل أحكامه، ويزيد عليه يسيرًا من الفروع مناسبًا له مسمى بتبيين الحقائق؛ لما فيه من تبيين ما اكتنز من الدقائق، وزيادة ما يحتاج إليه من اللواحق، وأسأل الله تعالى أن يوفقني لإتمامه معتصمًا به عن الزلل والخلل فيما أقول وأفعل، وهو حسبي ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.

  • ‌وقاية ‌الرواية في مسائل الهداية.

لتاج الشريعة محمود بن صدر الشريعة أحمد بن عبيد الله بن إبراهيم المحبوبي (781هـ). والكتاب عبارة عن مسائلَ انتقاها المحبوبي من كتاب الهداية للمرغيناني، وقد صنف المحبوبي هذا الكتاب لابن ابنه ليسهل عليه حفظ مسائل الفقه.

والكتاب مصنف على الطريقة المشهورة في المتون التي تخلو عن ذكر الأدلة، فهو كتاب مختصر يسهل حفظه كما أراد مصنفه من تأليفه.

وترجع أهمية ذلك الكتاب وقيمته العلمية إلى أنه من أبرز مختصرات الفقه الحنفي تركيزًا؛ حيث اهتم الكتاب بذِكْرِ قول أبي حنيفة وصاحبيه، وقليلًا ما كان يخرج إلى خلاف غيرهم حتى داخل المذهب.

وهو بذلك يسهل على الدارسين والمفتين الرجوع لقول الأئمَّة الثلاثة في المذهب، فالكتاب يدخل ضمن المصنفات المختصرة الهامة كمختصر القدوري.

  • العناية شرح الهداية:

لمحمد بن محمد بن محمود، أكمل الدين أبي عبد الله البابرتي (ت: ٧٨٦ هـ). وهو من الشروح المهمة والمشهورة لكتاب الهداية للمرغيناني، قال في مقدمته: “فاستخرت الله تعالى وأقدمت على هذا الخطب الخطير، وتضرعت بضراعة الطلب إلى العالم الخبير، في استنزال كلاءته عن الزلل في التحرير والتقرير، وجمعت منه ومن غيره من الشروح ما ظننت أنه مما يحتاج إليه، ويكون الاعتماد وقت الاستدلال عليه، وأشرت إلى ما يتم به مقدمات الدليل وترتيبه، ولم آلُ جهدًا في تنقيحه وتهذيبه، وأوردت مباحثَ لم أظفرْ عليها في كتاب، ولم تصلْ إليَّ عن أحد لا برسالة ولا خطاب، بل كان خاطري أبا عذره، ومقتضب حلوه ومره، وسميته (العناية) لحصوله بعون الله والعناية، وسألت الله أن ينفع به كما نفع بأصله، إنه أكرم مسؤول، وأعز مأمول”([17]).

والكتاب من الكتب المهمة في المكتبة الحنفية، اهتم البابرتي فيه بذكْرِ الخلاف مع الشافعي، وأحيانًا الإمام مالك، وكان يذكر الأدلة ووجه الاستدلال بها بشكل متوسط من حيث الإطالة والاختصار، وكان يكثر من ذكر الأجوبة على الاعتراضات وبيان ما يردها، وغالبًا ما يقدم الرأي الراجح.

  • الجوهرة النيرة:

لأبي بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي (ت: ٨٠٠ هـ). وهو شرح مختصر على مختصر الإمام القدوري، قال الحدادي في بدايته: “فهذا شرح لمختصر القدوري جمعته بألفاظ مختصرة، وعبارات ظاهرة، تشمل على كثير من المعاني والمذاكرة، أوضحته لذوي الأفهام القاصرة، والهمم المتقاصرة، وسميته (الجوهرة النيرة)، واستعنت في ذلك بمن له الحمد في الأولى والآخرة، سبحانه هو أهل التقوى وأهل المغفرة”([18]).

وهو من الكتب غير المعتمدة في المذهب، يهتم مؤلفه بذكر الاختلاف داخل المذهب، واعتبره البعض من كتب المبتدئين في المذهب، إلا أنه لا يعول عليه في ذكر المذهب وبيانه.

  • البناية شرح الهداية:

لأبي محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابي بدر الدين العيني (ت: 855هـ). وهو شرح كبير لكتاب الهداية للمرغيناني، اهتم فيه العيني بذكر الدلائل ووجوهها، والخلاف بين أئمَّة المذهب والمقارنة بينه، وبيان وجه كل قول من قول الأئمة.

وترجع أهمية كتاب البناية من جهة كونه من أكثر شروح الهداية تحريرًا وبيانًا للأدلة، كما أنه اهتم كثيرًا بالجانب الحديثي، مما كان له تأثيره في إظهار أدلة الحنفية وأئمتهم على هذا الجانب.

والمؤلف يعرف باهتمامه بجانب الحديث، وله شرح معروف على صحيح البخاري، مما زاد من أهمية الكتاب على هذا الجانب، وقد أثنى عليه غيرُ واحدٍ من المتأخرين.

  • فتح القدير:

لكمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي، المعروفِ بابن الهمام الحنفي (ت: ٨٦١هـ). وهو شرح لكتاب الهداية أشهر كتب المذهب، وكما يبدو فإن ابن الهمام كان له عناية زائدة بكتاب الهداية، حتى إنه ساق سنده بقراءة الكتاب إلى المرغيناني، فقال في مقدمته: “ليكون عدة لطالبي الرواية، ومرجعًا لصارفي العناية في طلب الهداية، وإياه سبحانه أسألُ أن يجعلَه خالصًا لوجهه الكريم، وموجبًا لرضاه الموصل إلى جنات النعيم. هذا، وإني كنت قرأت تمام الكتاب سنة ثمان عشرة أو تسع عشرة على وجه الإتقان والتحقيق على سيدي الشيخ الإمام بقية المجتهدين وخلف الحفاظ المتقنين سراج الدين عمر بن علي الكناني الشهير بقارئ الهداية، تغمده الله برحمته وأسكنه بحبوحة جنته، وهو قرأه على مشايخ عظام من جملتهم الشيخ الإمام شيخ الإسلام علاء الدين السيرامي، وهو عن شيخه السيد الإمام جلال الدين شارح الكتاب، وهو عن شيخه قدوة الأنام، بقية المجتهدين علاء الدين عبد العزيز النجاري صاحب الكشف والتحقيق، وهو عن الشيخ الكبير أستاذ العلماء حافظ الدين النسفي، وهو عن شيخه الإمام شمس الدين محمد بن علي بن عبد الستار بن محمد الكردري، وهو عن شيخه شيخ مشايخ الإسلام حجة الله تعالى على الأنام المخصوص بالعناية صاحب الهداية”([19]).

والكتاب من المصنفات التي اعتنت كثيرًا بإيراد الأدلة من الحنفية وغيرهم ومناقشتها، وقد بلغ الكتاب مرتبةً عاليةً بين طلاب المذهب، وأثنى عليه جمع كثير، ووصف بأنه من أفضل التعليقات والشروح لكتاب الهداية.

  • غرر الأحكام وشرحه درر الحكام:

لمحمد بن فرامرز بن علي الشهير بملا خسرو (ت: 885هـ). وغرر الأحكام من المتون القوية في فقه الحنفية؛ حيث عمد ملا خسرو للاختصار، واستبعاد الروايات الضعيفة من الكتاب، وحاول أن يضمنه بعض ما فات المتون المشهورة في المذهب ليكون مختصرًا، وفي ذات الوقت جامعًا.

والكتاب كما تقدم مختصر، حتى إنه لم يهتم بذكر الخلاف من الأصل قدر اهتمامه بذكر الرواية عن الأئمة الحنفية، وبطبيعة الحال خلا الكتاب من أدلة المسائل، وهو من المتون المهمة المعول عليها في فقه الحنفية.

ثم شرحه ملا خسرو أيضًا في كتاب وسماع درر الحكام شرح غرر الأحكام، وحاول كما قال في مقدمته أن يكون حاويًا خاليًا من الزوائد، فقال في مقدمته: “متن حاوٍ للفوائد، خاوٍ عن الزوائد، موصوف بصفات مذكورة في خطبته، داعية لِكُمَّل الرجال إلى خطبته، مرعي فيه ترتيب كتب الفن على النمط الأحرى والوجه الأحسن، فاخْتلستُ فُرَصًا من بين الاشتغال، وانتهزت نهزًا مع توزُّع البال، وحين قَرُب إتمامُه، وآن أن يُفَضَّ بالاختتام ختامُه، خلصني الله تعالى من بلاء القضاء، إذ بعد حصول المراد بالابتلاء يخلص من البلاء، فوجب عليَّ شكر نعمتي إتمامه، وإحسان التلخيص عن البلاء وإنعامه، فشرعت في شرحه شكرًا للنعمتين، الموصولتين لصاحبهما إلى الدولتين، راجيًا من الله تعالى أن يوفقني لإتمامه، ويسهل لي بالسلامة طريق اختتامه، وعازمًا أن أسميه بعد الإتمام (درر الحكام في شرح غرر الأحكام)” ([20]). وأهمية الشرح تأتي من أهمية المتن وقوة عبارته واختصارها كما تقدم.

  • ملتقى الأبحر:

لإبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي (ت: 956). وهو من أشهر متون فقه الحنفية، وذلك لكونه جمع بين أهم المتون في المذهب، وهي مختصر القدوري والمختار وكنز الدقائق والوقاية، فكانت كتابًا جامعًا لمهمات المتون، هذا بالإضافة إلى بعض مسائل الهداية.

كما أن مؤلفه اعتمد طريقة حسنة في الترتيب، مما زاد من القيمة العلمية للكتاب، فبدا الكتاب ظاهرًا من حيث ذكر الخلاف وبيان الراجح من أقوالهم فضلًا عن بيان المختار للفتوى، مما جعل الكتاب مرجعًا ومعتمدًا في ذلك الباب.

يقول الحلبي في مقدمته: “قد سألني بعض طالبي الاستفادة أن أجمع له كتابًا يشتمل على مسائل القدوري والمختار والكنز والوقاية بعبارة سهلة غير مغلقة، فأجبته إلى ذلك وأضفت إليه بعض ما يحتاج إليه من مسائل المجمع ونبذة من الهداية، وصرحت بذكر الخلاف بين أئمتنا، وقدمت من أقاويلهم ما هو الأرجح وأخرت غيره إلا أن قيدته بما يفيد الترجيح، وأما الخلاف الواقع بين المتأخرين أو بين الكتب المذكورة فكل ما صدرته بلفظ: قيل أو قالوا، إن كان مقرونا بالأصح ونحوه فإنه مرجوح بالنسبة إلى ما ليس كذلك، ومتى ذكرت لفظ التثنية من غير قرينة تدل على مرجعها فهو لأبي يوسف ومحمد، ولم آلُ جهدًا في التنبيه على الأصح والأقوى، وما هو المختار للفتوى، وحيث اجتمع فيه سميته بملتقى الأبحر ليوافق الاسم المسمى”([21]).

وهو كما ذكرنا من أهم المتون الحنفية التي يرجع إليها في الفتوى وتحرير المذهب.

  • البحر الرائق شرح كنز الدقائق:

لزين الدين بن إبراهيم بن محمد، المعروف بابن نجيم المصري (ت: ٩٧٠هـ). والكتاب من المصنفات المتوسطة من حيث طول الشرح وذكر الأدلَّة، رتبه ابن نجيم على أبواب كنز الدقائق؛ لكونه شرحًا له، واهتم فيه بذكْر الخلاف وأدلته والتمهيد دومًا ببيان المفاهيم الشرعية والاصطلاحية.

وهو يعدُّ من الكتب التي جمعت في مصادرها عيون المذهب الحنفي، وقد نصَّ الإمام ابن نجيم في مقدمته على ثراء الكتاب من حيث مصادره التي اعتمد عليه، فقال: “وإن كنز الدقائق للإمام حافظ الدين النسفي أحسن مختصر صنف في فقه الأئمة الحنفية، وقد وضعوا له شروحًا، وأحسنها التبيين للإمام الزيلعي، لكنه قد أطال من ذكر الخلافيات، ولم يفصح عن منطوقه ومفهومه، وقد كنت مشتغلًا به من ابتداء حالي، معتنيًا بمفهوماته، فأحببت أن أضع عليه شرحًا يفصح عن منطوقه ومفهومه، ويرد فروع الفتاوى والشروح إليها مع تفاريعَ كثيرةٍ وتحريرات شريفة، وهأنا أبين لك الكتب التي أخذت منها من شروح وفتاوى وغيرهما، فمن الشروح شرح الجامع الصغير لقاضي خان وشرحه للبرهاني والمبسوط وشرح الكافي للحاكم، وشرح مختصر الطحاوي للإمام الإسبيجابي، والهداية وشروحها من غاية البيان والنهاية والعناية ومعراج الدراية والخبازية وفتح القدير والكافي شرح الوافي والتبيين والسراج الوهاج والجوهرة والمجتبى والأقطع والينابيع وشرح المجمع للمصنف ولابن الملك والعيني وشرح الوقاية وشرح النقاية للشمني والمستصفى والمصفى وشرح منية المصلي لابن أمير حاج، ومن الفتاوى المحيط والذخيرة والبدائع والزيادة لقاضي خان وفتاواه والمشهورة والظهيرية والولوالجية والخلاصة والبزازية والواقعات للحزامي والعمدة والعدة للصدر الشهيد، ومآل الفتاوى وملتقط الفتاوى وحيرة الفقهاء والحاوي القدسي والقنية والسراجية والقاسمية والتجنيس والعلامة وتصحيح القدوري، وغير ذلك مع مراجعة كتب الأصول واللغة وغير ذلك، ومن تردد في شيء مما ذكرته في هذا الشرح فليرجع إلى هذه الكتب”([22]).

وهذا بلا شك يزيد من قيمة الكتاب العلمية، بحيث يجعله من أهم الشروح المعول عليها للمتن الهام “كنز الدقائق”.

([1]) ينظر: مقدمة شرح الجامع الصغير (ص 67).

([2]) ينظر: كشف الظنون (1/ 569).

([3]) ينظر: الفوائد البهية (ص 158).

([4]) ينظر: رد المحتار، لابن عابدين (1/ 70).

([5]) ينظر: تحفة الفقهاء (1/ 5).

([6]) ينظر: الفوائد البهية (ص 219).

([7]) ينظر: بدائع الصنائع (1/ 3).

([8]) ينظر: رد المحتار (1/ 100).

([9]) ينظر: كشف الظنون (1/ 227).

([10]) ينظر: الهداية شرح بداية المبتدي (1/ 14).

([11]) ينظر: كشف الظنون (2/ 2022).

([12]) ينظر: الفوائد البهية (ص 142).

([13]) البحر الرائق (1/ 2).

([14]) ينظر: مقدمة كنز الدقائق (ص 138).

([15]) ينظر: مقدمة مجمع البحرين من المذهب الحنفي، لابن النقيب (1/ 478).

([16]) ينظر: مقدمة مجمع البحرين من المذهب الحنفي، لابن النقيب (1/ 478).

([17])  العناية شرح الهداية (1/ 6).

([18])  الجوهرة النيرة (1/ 1).

([19])  ينظر: فتح القدير (1/ 9).

([20])  غرر الأحكام (1/ 3).

([21])  ملتقى الأبحر (ص 13).

([22])  البحر الرائق (1/ 3).

اترك تعليقاً