البرنامج الموسوعي الجامع

البرنامج الموسوعي الجامع

المذهب الحنفي الآن

68 views

إن انتشار المذهب الحنفي في أرجاء الأرض الإسلامية يعد دليلًا على صدق وإخلاص إمامه في طلب الحق، وعلى قوة هذا المذهب في أصوله وسعة وتنوع فروعه، وبالتالي على صلاحيته لجميع الناس على اختلاف أعراقهم وعاداتهم، ومرونته لحل المشكلات والمستجدات على مر الزمان. قال ابن عابدين في حاشيته: «(قوله: اشتهار مذهبه) أي في عامة بلاد الإسلام، بل في كثير من الأقاليم والبلاد لا يعرف إلا مذهبه، كبلاد الروم والهند والسند وما وراء النهر وسمرقند»([1]).

وقد أخذ المذهب الحنفي في الذيوع والانتشار والإمام أبو حنيفة رحمه الله لا يزال على قيد الحياة، بداية من الكوفة، ثم جميع أنحاء العراق، إلا أن بداية العصر الذهبي لهذا المذهب الفقهي كانت عندما ولي الإمام أبو يوسف رحمه الله رئاسة القضاء في الدولة العباسية، وأصبح من سلطاته تولية القضاة واختيارهم لجميع أقطار الدولة الإسلامية الواسعة، لا يولى قاضٍ من غير أمره، فلم يكن يولى قاضٍ في البلاد الإسلامية من أقصى المشرق إلى شمال أفريقية إلا من يشير به ويرتضيه، وكان حتمًا لا يولي إلا أصحابه الذين يرتضون طريقته في الاجتهاد والفتيا، وهي طريقة أبي حنيفة في الاستنباط في جملتها، فانتشر بهذا عند العامة آراء فقهاء العراق في كل البقاع الإسلامية، ما عدا الأندلس التي انتشر بها المذهب المالكي. فقد كان لذلك المذهب الغلبة في كل بلد كان للعباسيين سلطان غالب فيها، يضعف بضعف نفوذهم، ويقوى بقوته، وقد كان سلطانهم قويًّا لا يزاحم في العراق وما قاربه وما حوله، وبعبارة أدق: كان سلطانهم في المشرق قويًّا، وإذا ضعف نفوذهم الإداري قام مقامه نفوذهم الديني، فكان لهم في الحالين نفوذ يكفي لأن يستفيد منه المذهب الحنفي، وكانوا يؤازرونه كل المؤازرة، وكان أهل بغداد يميلون كلَّ الميل لمذهب أبي حنيفة ويؤازرون الخلفاء في نصرته([2]).

وكان يشاطر الخلفاء الإعزاز للمذهب الحنفي الدول الشرقية التي استبدت بالحكم دونهم: كالسلاجقة وآل بويه؛ لأن ثقافتهم الإسلامية كانت على مقتضى ذلك المذهب([3]).

فأدَّت كل تلك العوامل إلى انتشار المذهب الحنفي خارج حدود العراق، فوصل إلى خراسان وسجستان وما وراء النهر، ولا تزال غالبية تلك البلاد على المذهب الحنفي حتى اليوم.

ثم غلب ذلك المذهب على أهل أرمينية، وأذربيجان، وتبريز، وأهل الري والأهواز. وكذا انتشر في الصين، والهند، واليابان، وتركستان، ومصر، والشام، بل ووصل إلى المغرب العربي، والأندلس، وأوروبا، والقوقاز، وبولندا، ورومانيا، وبلغاريا، والنمسا، وتركيا، ويوغسلافيا، وألبانيا، حتى بلغ عدد المسلمين الذين يتعبدون الله على مذهبه شطر المسلمين، وأخذت به الخلافة والحكومات([4]).

ثم بلغ قمة عصوره الذهبية عندما أعلنته الدولة العثمانية مذهبًا رسميًّا يعمل به في مجالات القضاء والفتيا في جميع الولايات والأقاليم الخاضعة لسلطانها. فتم تعيين القضاة والمفتين الأحناف في أصقاع كثيرة من المعمورة: كتركيا، والعراق، ومصر، وبلاد الشام، وبلاد المغرب العربي وغيرها، وكثر أتباع المذهب حتى لا تكاد تجد قطرًا إسلاميًّا إلا وفيه أتباع لهذا المذهب الفقهي([5]).

ولا زال المذهب الحنفي إلى الآن من أهم المذاهب الفقهية تأثيرًا في الواقع المعاصر؛ حيث هو المعمول به في العديد من دور الإفتاء الرسمية، وخاصة ما يكون في دول المشرق: كالهند، وباكستان، وكازخستان، وأوزباكستان، وقرغيزستان، وديوان الوقف السني بالعراق.

كما يتمذهب به كثير من العلماء المعاصرين.

ومن العلماء الأحناف المعاصرين:

في مصر:

الشيخ محمد جمال الدين هاشم شيخ الأحناف بأسيوط، والشيخ محمد علم الدين ضاحي، والشيخ محمد سالم أبو عاصي، والشيخ حازم الكيلاني، والشيخ محمد أبو السيد أحمد، والشيخ محمد هاشم محمود عمر.

في سوريا:

الشيخ إبراهيم السلقيني مفتي حلب، والشيخ عبد الله سراج الدين، والشيخ أديب كلاس، والشيخ عبد الرّزاق الحلبي، والشيخ حسان هندي، والشيخ عبد الرّحمن أرجان، والشيخ نادر رنكوسي، والشيخ سامر النص، والدكتور أحمد الحجي الكردي، والدكتور عبد المجيد بكري معّاز، والشيخ محمد عوامة، والشيخ وهبي غاوجي، والشيخ عبد الحميد طهماز، والشيخ أحمد الجمّال، والشيخ محمود عثمان آغا.

في العراق:

الشيخ قاسم بن نعيم الحنفي إمام الأحناف، والشيخ عبد الملك السعدي، والشيخ عبد الرزاق السعدي، والشيخ عبد العليم السعدي، والشيخ عمر هاشم إمام مسجد التكية الخالدية في شارع النهر ببغداد، والشيخ عمر جسام الجنابي أبو ياسين إمام جامع العادلية الكبير في شارع النهر ببغداد، والدكتور خليل جدوع المحمدي الشيحاوي الفلوجي أبو عماد الدين.

في باكستان:

الشيخ محمد تقي العثماني، قاضي التمييز الشرعي بالمحكمة العليا بباكستان، ونائب رئيس جامعة دار العلوم بكراتشي، له كتب كثيرة من أهمها: «بحوث في قضايا فقهية معاصرة». والشيخ محمد رفيع العثماني رئيس جامعة دار العلوم بكراتشي والمفتي العام لباكستان، له كتب كثيرة أهمها: «مكانة الإجماع وحجيته»، والشيخ محمد طاهر القادري، والشيخ منيب الرحمن رئيس لجنة تنظيم المدارس، والشيخ شير علي خان مفتي دار العلوم المحمدية الغوثية، والشيخ عبد القيوم هزاروي مفتي جامعة منهاج القرآن.

في الهند:

الشيخ أرشد مدني، والشيخ نظام الدين رضوي، والشيخ بدر عالم مصباحي، والشيخ أختر حسين، والشيخ تقي الدين الندوي.

في الحجاز:

الشيخ أبو عمر عبد العزيز عرفة السليماني الحنفي، والشيخ يحيى بن أبي بكر الملا الأحسائي.

في الأردن:

الدكتور صلاح أبو الحاج عميد كلية الفقه الحنفي.

في الإمارات:

الشيخ شاه جيهان مفتي الأحناف في أوقاف دبي.

في المغرب:

الدكتور بدر الدين بن عبد الرحمن الكتاني.

في بريطانيا:

المفتي محمد بن آدم الكوثري، والمفتي عبد الرحمن بن يوسف، والمفتي محمد سجاد، والشيخ رفيق الصوفي، والشيخ الرياض الحق، والشيخ محمود زاهر، والشيخ أحمد علي([6]).

([1]) حاشية ابن عابدين (1/ 56) دار الفكر- بيروت- الطبعة الثانية- 1412هـ/ 1992م.

([2]) ينظر: أبو حنيفة حياته وعصره وآراؤه الفقهية لأبي زهرة (ص: 520، 521).

([3]) ينظر: السابق (ص: 521).

([4]) ينظر: مدخل لدراسة المذهب الحنفي (ص: 22).

([5]) ينظر: المذهب الحنفي لنصير الدين النقيب (ص: 10).

([6]) ينظر: موقع منتدى الأصلين برابط:

http:/ / www.aslein.net/ showthread.php?t=1633.

اترك تعليقاً